فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو حيان:

{ولتصغي له أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة} أي ولتميل إليه الضمير يعود على ما عاد عليه في فعلوه، وليرضوه وليكتسبوا ما هم مكتسبون من الآثام.
واللام لام كي وهي معطوفة على قوله غرورًا لما كان معناه للغرور، فهي متعلقة بيوحي ونصب غرور الاجتماع شروط النصب فيه، وعدى يوحى إلى هذا باللام لفوت شرط صريح المصدرية واختلاف الفاعل لأن فاعل يوحي هو بعضهم وفاعل تصغى هو {أفئدة}، وترتيب هذه المفاعيل في غاية الفصاحة لأنه أولًا يكون الخداع فيكون الميل فيكون الرضا فيكون الفعل فكأن كل واحد مسبب عما قبله.
وقال الزمخشري: {ولتصغي} جوابه محذوف تقديره، وليكون ذلك جعلنا لكل نبيّ عدوًّا على أن اللام لام الصيرورة، والضمير في {إليه} راجع إلى ما يرجع إليه الضمير في فعلوه أي ولتميل إلى ما ذكر من عداوة الأنبياء ووسوسة الشياطين أفئدة الكفار انتهى.
وتسمية ما تتعلق به اللام جوابًا اصطلاح غريب، وما قاله هو قول الزجاج، قال: تقديره {ولتصغي إليه} فعلوا ذلك فهي لام صيرورة.
وذهب الأخفش إلى أن لام {ولتصغي} هي لام كي وهي جواب لقسم محذوف تقديره.
والله: {ولتصغي} موضع ولتصغين فصار جواب القسم من قبيل المفرد فتقول والله ليقوم زيد التقدير أقسم بالله لقيام زيد واستدل على ذلك بقول الشاعر:
إذا قلت قدني قال الله حلفة ** لتغني عني ذا أنائك أجمعا

وبقوله: {ولتصغي} والرد عليه مذكور في كتب النحو.
وقرأ النخعي والجراح بن عبد الله: {ولنصغي} من أصغى رباعيًا.
وقرأ الحسن بسكون اللام في الثلاثة.
وقيل عنه في ليرضوه وليقترفوا بالكسر في {ولتصغي}.
وقال أبو عمرو الداني قراءة الحسن، إنما هي {ولتصغي} بكسر الغين انتهى، وخمرج سكون اللام في الثلاثة على أنه شذوذ في لام كي وهي لام كي في الثلاثة.
وهي معطوفة على غرور أو سكون لام كي في نحو هذا شاذ في السماع قوي في القياس قاله أبو الفتح.
وقال غيره: هي لام الأمر في الثلاثة ويبعد ذلك في {ولتصغي} بإثبات الياء وإن كان قد جاء ذلك في قليل من الكلام.
قرأ قنبل أنه من يتقي ويصبر على أنه يحتمل التأويل.
وقيل هي في {ولتصغي} لام كي سكنت شذوذًا. اهـ.

.قال أبو السعود:

{ولتصغى إِلَيْهِ} أي إلى زُخرُفِ القولِ وهو على الوجه الأولِ علة أخرى للإيحاء معطوفةٌ على غرورًا وما بينهما اعتراضٌ وإنما لم ينصَبْ لفقد شرطِه إذ الغرورُ فعلُ الموحي وصغْوُ الأفئدةِ فعلُ الموحى إليه أي يوحي بعضُهم إلى بعض زُخْرفَ القولِ ليغرِّرَهم به ولتميل إليه {أَفْئِدَةُ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة} إنما خصَّ بالذكر عدمُ إيمانِهم بالآخرة دون ما عداها من الأمور التي يجب الإيمانُ بها وهم بها كافرون إشعارًا بما هو المدارُ في صغْو أفئدتِهم إلى ما يلقى إليهم، فإن لذّاتِ الآخرةِ محفوفةٌ في هذه النشأةِ بالمكاره، وآلامُها مزينةٌ بالشهوات فالذين لا يؤمنون بها وبأحوال ما فيها لا يدرون أن وراءَ تلك المكارهِ لذّاتٍ ودون هذه الشهواتِ آلامًا وإنما ينظُرون إلى ما بدا لهم في الدنيا بادئَ الرأي فهم مضطرون إلى حبّ الشهواتِ التي من جملتها مزخْرَفاتُ الأقاويلِ ومُموَّهاتُ الأباطيل وأما المؤمنون بها فحيث كانوا واقفين على حقيقة الحالِ ناظرين إلى عواقب الأمورِ لم يُتصوَّر منهم الميلُ إلى تلك المزخرَفاتِ لعلمهم ببطلانها ووخامة عاقبتِها.
وأما على الوجهين الأخيرين فهو علةٌ لفعل محذوف يدل عليه المقامُ أي ولكون ذلك جعلنا ما جعلنا، والمعتزلةُ جعلوا اللامَ لامَ العاقبةِ أو لام القسَم أو لامَ الأمر وضعفُه في غاية الظهور. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ} أي إلى زخرف القول، وقيل: الضمير للوحي أو للغرور أو للعداوة لأنها بمعنى التعادي، والواو للعطف وما بعدها عطف على {غُرُورًا} [الأنعام: 112] بناء على أنه مفعول له فيكون علة أخرى للإيحاء وما في البين اعتراض، وإنما لم ينصب لفقد شرط النصب إذ الغرور فعل الموحي وصغو الأفئدة فعل الموحى إليه.
وهو على الوجهين الأخيرين علة لفعل محذوف يدور عليه المقام أي وليكون ذلك جعلنا ما جعلنا.
وأصل الصغو كما قال الراغب الميل يقال: صغت الشمس والنجوم صغوا مالت للغروب وصغيتُ الإناء وأصغيته وأصغيت إلى فلان ملت بسمعي نحوه، وحُكِي صغوت إليه أصغو وأصغى صغوًا وصُغِيًّا؛ وقيل: صغيت أصغى وأصغيت أُصغي.
وفي القاموس: صغا يصغو ويصغي صغوًا وصغى يصغي صغًا وصغيًا مال.
وذكر بعض الفضلاء أن هذا الفعل مما جاء واويًا ويائيًا فقيل: يصغو ويصغى؛ ويقال: في مصدره صغيا بالفتح والكسر.
وزاد الفراء صغيًا وصغوا بالياء والواو مشددتين، ويقال: إن أصغى مثله.
والمراد هنا ولتميل إليه.
{أَفْئِدَةُ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة} أي على الوجه الواجب.
وخص عدم إيمانهم بها دون ما عداها من الأمور التي يجب الإيمان بها وهم بها كافرون قال مولانا شيخ الإسلام: إشعارًا بما هو المدار في صغو أفئدتهم إلى ما يلقى إليهم فإن لذات الآخرة محفوفة في هذه النشأة بالمكاره وآلامها مزينة بالشهوات فالذين لا يؤمنون بها وبأحوال ما فيها لا يدرون أن وراء تلك المكاره لذات ودون هذه الشهوات آلاما وإنما ينظرون ما بدا لهم في الدنيا بادي الرأي فهم مضطرون إلى حب الشهوات التي من جملتها مزخرفات الأقاويل ومموهات الأباطيل، وأما المؤمنون بها فحيث كانوا واقفين على حقيقة الحال ناظرين إلى عواقب الأمور لم يتصور منهم الميل إلى تلك المزخرفات لعلمهم ببطلانها ووخامة عاقبتها اهـ. والآية حجة على المعتزلة في وجه.
وأجاب الكعبي بأن اللام للعاقبة وليست للتعليل بوجه وهو خلاف الظاهر.
وقال غيره: إنها لام القسم كسرت لما لم يؤكد الفعل بالنون.
واعترض بأن النون حذفت ولام القسم باقية على فتحها كقوله:
لئن تكن قد ضاقت على بيوتكم ** ليعلم ربي أن بيتي واسع

بفتح لام ليعلم، نعم حُكِي عن بعض العرب كسر لام جواب القسم الداخلة على المضارع كقوله:
لتغني عن ذا إنائك أجمعا

وهو غير مجمع عليه أيضًا فإن أناسًا أنكروا ورود ذلك، وجعلوا اللام في البيت للتعليل والجواب محذوف أي لتشربن لتغني عني.
واستشهد الأخفش بالبيت على إجابة القسم بلام كي.
وقال الرضي: لا يجوز عند البصريين في جواب القسم الاكتفاء بلام الجواب عن نون التوكيد إلا في الضرورة.
وعن الجبائي أن اللام هنا لام الأمر، والمراد منه التهديد أو التخلية واستعمال الأمر في ذلك كثير.
واعترض بأنها لو كانت لام الأمر لحذف حرف العلة.
وأجيب بأن حرف العلة قد يثبت في مثله كما خرج عليه قراءة {أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا نَرتع وَنَلْعَب} و{إِنَّهُ مِنَ يَتَّقِى وَيِصْبِرْ} فليكن هذا كذلك.
ويؤيد أنها لام الأمر أنه قرئ بحذف حرف العلة.
وقرأ الحسن بتسكين اللام في هذا وفي الفعلين بعده.
فدعوى إن ضعف كونها للأمر أظهر من ضعف الوجهين الأولين غير ظاهرة.
واستدل أصحابنا بإسناد الصغو إلى الأفئدة على أن البنية ليست شرطًا للحياة فالحي عندهم هو الجزء الذي قامت به الحياة، والعالم هو الجزء الذي قام به العلم، وقالت المعتزلة: الحي والعالم هو الجملة لا ذلك الجزء، والإسناد هنا مجازي. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ} عُطف قوله: {ولتصغى} على {غرورًا} [الأنعام: 112] لأنّ {غرورًا} في معنى ليغرّوهم.
واللام لام كي وما بعدها في تأويل مصدر، أي ولصغى، أي مَيل قلوبهم إلى وحيِهم فتقوم عليهم الحجّة.
ومعنى {تصغى} تميل، يقال: صَغَى يَصغى صَغْيًا، ويَصْغُو صَغوًا بالياء وبالواو ووردت الآية على اعتباره بالياء لأنّه رسم في المصحف بصورة الياء.
وحقيقته المَيل الحسي، يقال: صَغى، أي مال، وأصغى أمال.
وفي حديث الهِرّة: أنّه أصغى إليها الإناءَ، ومنه أطلق: أصغى بمعنى استمع، لأنّ أصله أمال سمعه أو أذُنه، ثمّ حذفوا المفعول لكثرة الاستعمال.
وهو هنا مجاز في الاتّباع وقبول القول.
والَّذين لا يؤمنون بالآخرة هم المشركون.
وخصّ من صفات المشركين عدمُ إيمانهم بالآخرة، فعُرّفوا بهذه الصّلة للإيماء إلى بعض آثار وحي الشّياطين لهم.
وهذا الوصف أكبر ما أضرّ بهم، إذ كانوا بسببه لا يتوخّون فيما يصنعون خشية العاقبة وطلَبَ الخير، بل يتَّبعون أهواءهم وما يُزيَّن لهم من شهواتهم، معرضين عمّا في خلال ذلك من المفاسد والكفرِ، إذ لا يترقَّبون جزاء عن الخير والشرّ، فلذلك تصغى عقولهم إلى غرور الشَّياطين.
ولا تصغَى إلى دعوة النّبي صلى الله عليه وسلم والصّالحين.
وعطف {وليرضوه} على {ولتصغى}، وإن كان الصّغْي يقتضي الرّضى ويسبّبه فكان مقتضى الظاهر أن يعطف بالفاء وأن لا تكرّر لام التّعليل، فخولف مقتضى الظاهر، للدلالة على استقلاله بالتّعليل، فعطف بالواو وأعيدت اللاّم لتأكيد الاستقلال، فيدل على أن صَغى أفئدتهم إليه ما كان يكفي لعملهم به إلاّ لأنَّهم رَضُوه. اهـ.

.قال الفخر:

زعم أصحابنا أن البنية ليست مشروطًا للحياة، فالحي هو الجزء الذي قامت به الحياة، والعالم هو الجزء الذي قام به العلم، وقالت المعتزلة: الحي والعالم هو الجملة لا ذلك الجزء.
إذا عرفت هذا فنقول: احتج أصحابنا بهذه الآية على صحة قولهم، لأنه قال تعالى: {وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ} فجعل الموصوف بالميل والرغبة هو القلب، لا جملة الحي، وذلك يدل على قولنا.
فائدة:
الذين قالوا الإنسان شيء مغاير للبدن اختلفوا.
منهم من قال: المتعلق الأول هو القلب، وبواسطته تتعلق النفس بسائر الأعضاء كالدماغ والكبد.
ومنهم من قال: القلب متعلق النفس الحيوانية، والدماغ متعلق النفس الناطقة، والكبد متعلق النفس الطبيعية، والأولون تعلقوا بهذه الآية، فإنه تعالى جعل محل الصغو الذي هو عبارة عن الميل والإرادة القلب، وذلك يدل على أن المتعلق بالنفس القلب. اهـ. بتصرف يسير.
قال الفخر:
الكناية في قوله: {وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ} [الأنعام: 113] عائدة إلى زخرف القول، وكذلك في قوله: {وَلِيَرْضَوْهُ}.
وأما قوله: {وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ} فاعلم أن الاقتراف هو الاكتساب، يقال في المثل: الاعتراف يزيل الاقتراف، كما يقال: التوبة تمحو الحوبة.
وقال الزجاج: {ليقترفوا} أي ليختلفوا وليكذبوا، والأول أصح. اهـ.

.قال السمرقندي:

{وَلِيَرْضَوْهُ} يقول: لكي يقبلوا من الشياطين الزينة والغرور {وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ} يعني: ليكسبوا ما هم مكتسبون من المعاصي وليعملوا ما هم عاملون.
وقرأ بعضهم {وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ} بجزم اللام على معنى الأمر، والمراد به التهديد كقوله: {اعملوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [فصلت: 40] والقراءة المعروفة بكسر اللام، والمراد به التهديد، ومعناه: اتركهم ليعلموا ما هم عاملون. اهـ.

.قال الثعلبي:

{وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ} أي وليكتسبوا ما هم مكتسبون.
وقال ابن زيد: وليعملوا ما هم عاملون. يقال: إقترف فلان مالًا أي اكتسبه، وقارف فلان هذا الأمر إذا واقعه وعمله، قال اللّه تعالى: {وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً} [الشورى: 23].
قال لبيد:
وإني لآتي ما أتيت وإنني ** لما اقترفت نفسي عليَّ لراهب

وقيل: هو من التهمة يقال: قرفه بسوء إذا اتهمه به.
قال رؤبة:
أعيا اقتراف الكذب المقروف ** تقوى التقيّ وعفّة العفيف

.قال القرطبي:

ومعنى {وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ} أي وليكتسبوا؛ عن ابن عباس والسّدِّي وابن زيد.
يقال: خرج يقترف أهلَه أي يكتسب لهم.
وقارف فلان هذا الأمرَ إذا واقعه وعمِله.
وقَرَفْتني بما ادّعيت عليّ، أي رميتني بالرِّيبة.
وقَرف القُرْحة إذا قَشَر منها.
واقترف كَذِبًا.
قال رُؤْبَة:
أعيا اقترافُ الكذب المقروفِ ** تقوى التّقِي وعفّةُ العفيفِ

وأصله اقتطاع قطعة من الشيء. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَلِيَرْضَوْهُ} لأنفسهم بعد ما مالت إليه أفئدتهم {وَلِيَقْتَرِفُواْ} أي يكتسبوا بوجب ارتضائِهم له {مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ} له من القبائح التي لا يليق ذكرُها. اهـ.